الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في الاذاعة الوطنية، «من قاع الخابية» لسيف الدين الكافي: «بعد الرياحي ما عادش طرب»

نشر في  06 سبتمبر 2017  (12:16)

في الإذاعة الوطنية ـ ومن غيرها يعز الفنّ الراقي ويجلّه ويقدّره حقّ قدره ـ  برنامج يومي يبث ما بين الخامسة والسادسة مساء عنوانه «من قاع الخابية» (ما أرشقها تسمية).. ومع كلّ اطلالة يحدّثنا معدّه ومقدّمه سيف الدين الكافي عن شخصية فنّية من الزمن الجميل، ومن مطرب الخضراء علي الرياحي الذي سيظل حالة فريدة متفرّدة في الموسيقى التونسية، سيظلّ قمّة لا تطال تماما كالزّعيم الحبيب بورقيبة في السياسة وأبي القاسم الشابي في الشعر.. من سيدي علي الذي شغل «الميلومان» عشاق الأنغام الرقراقة على امتداد عقود وأخرج لهم دررا وجواهر متشاكلة المضامين والألحان، الى صليحة الى علية الى الهادي الجويني الى شبيلة راشد الى خميّس ترنان، الى رضا القلعي (آه كم أبدع هذا الرّجل)، الى كل الذين خلّفوا نقوشا لألاءة على رخامة الأغنية التونسية ومن بينهم الروّاد الشيخ العفريت وحبيبة مسيكة ولويزة التونسية وفتحية خيري وشافية رشدي (نانا) وغيرهم..
بأسلوب خفيف لا حذلقة فيه ولا تعقيد،  من بهاراته لازمتا «إمّالا وينك» و«يا سلام» يطلعنا سيف الدين على مسيرة أحد الفنانين تتخلّلها عينات ونماذج مما انتشت به أحاسيس الناس مع تذكير بأسماء الشعراء والملحّنين وتفاصيل كثيرة منها الدار التي ولد فيها الفنّان بالنهج والزنقة و«الكتاب» الذي حفظ فيه نصيبا من القرآن الكريم ومقهى بحرون بحمام الأنف الذي جعل منه والد سي الهادي المقراني مجلسا للطرب يتردّد عليه سي الهادي الجويني وفنانون آخرون بارزون في ذلك العهد، وعنهم حفظ القراني الموشحات والأدوار (يا سلام)..
وان كنّا نعيب شيئا على الكافي فهو ذكر المعلومة واجترارها اجترارا في الحصّة الواحدة، وقد تسمعها حتى في حصص لاحقة ممّا يتطلب حضورا ذهنيا وأكثر تنظيما في الأفكار من قبل صاحب البرنامج.. ومن مآخذنا عليه تعظيم بعض الأسماء وخلع الألقاب على العاديين، وهذا أجمل صوت في عهده وتلك قمّة وأيقونة، فما ضرّ يا سيف لو كنت أكثر ضبطا للنفس وتحكّما في اللسان؟!..وممّا ينغّص علينا ما في «قاع الخابية» من متعة ورحيق، أن نسمع سيف الدين يمدح أبناء اليوم مدحا يزوّقه بكلّ الزخارف رغم أنّهم لو اجتمعوا، ما قدروا على اخراج ولو واحدة من روائع علي الرياحي الخالدة مثل «زهر البنفسج» و«العالم يضحك» و«يا شاغلة بالي»  و«زينة يا بنت الهنشير» و«ما حبّيتش وعمري ما نحب» (يا الله، كم هو عبقري سيدي علي).. كما نلاحظ لسيف الدين أنّ اختياراته الغنائية ليست دائما موفّقة، فقد يتجاهل رائعة يشيب الزّمان وهي دائما نضرة وهّاجة ليمرّر أخرى «عندكشي عندي»، فليت صاحب «الخابية» يعيد على مسامعنا  ما أنتج من حصص مع الاقتصار على بثّ الأغاني التي تجد هوى في نفوس الناس وتروق لهم...
أرجو أنّي لم أقس على هذا الشابّ، وحسبه شرفا أنّه يقدّم أنغاما تطهّر آذان السمّيعين ممّا يروج من موادّ عفنة ملوّثة..
وبما انّ الفرصة أكثر من مواتية، نعترف بأنّ  الإذاعة  الوطنية، ـ وبهذا البرنامج  وبأخرى من سلالته ـ كانت وستظل الحصن المنيع للذوق الرّفيع والنّغم البديع..

صوت من الزّمن الماضي الجميل
والوفيّ ما عاش لأمّ الإذاعات
نجيب الخويلدي